السؤال: سائل يسأل عن صلاة التراويح. هل هي واجبة أم سنة؟ وهل لها عدد معين؟ وهل تشترط لها الجماعة؟ وهل الأفضل للإنسان أن يصليها في بيته كبقية النوافل أم يصليها مع الجماعة في المسجد؟
الإجابة: صلاة التراويح في ليالي رمضان سنة مؤكدة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فصلى بصلاته ناس كثير، ثم صلى من القابلة؛ فكثروا، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم. فلما أصبح قال: "قد رأيت صنيعكم، فما يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم"، وذلك في رمضان (متفق عليه) (1).
وأما عدد ركعات التراويح، فليس لها عدد معين؛ لعدم ثبوت التحديد عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى) (2): إن نفس قيام رمضان لم يوقت فيه النبي صلى الله عليه وسلم عددا معينًا، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات. فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة. ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة، ويوترون بثلاث. وآخرون قاموا بست وثلاثين، وأوتروا بثلاث. وهذا كله سائغ.
فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن.
والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل.
وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو أفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك. وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة، كأحمد وغيره.
ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ.أ.هـ.
وفي (الاختيارات) (3): إن صلاها أي التراويح كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد عشرين ركعة، أو كمذهب مالك ستا وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نص عليه الإمام أحمد؛ لعدم التوقيف، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره.أ.هـ.
وما ذكره شيخ الإسلام من عدم التحديد رواه محمد بن نصر عن الإمامين: الشافعي وأحمد بن حنبل.
فقد روى محمد بن نصر المروزي في (قيام رمضان) (4) عن الزعفراني، عن الشافعي قال: رأيت الناس يقومون بالمدينة تسعا وثلاثين ركعة. قال: وأحب إلي عشرون. قال: وكذلك يقومون بمكة. قال: وليس في شيء من هذا ضيق ولا حد يُنتهى إليه؛ لأنه نافلة. فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن. وهو أحب إلي. وإن أكثروا الركوع والسجود فحسن.
وروى محمد بن نصر (5) أيضا عن ابن منصور أنه قال: قلت لأحمد بن حنبل: كم من ركعة يُصلى في قيام شهر رمضان؟ فقال: قد قيل فيه ألوان نحوًا من أربعين، إنما هو تطوع.أ.هـ. كلام محمد بن نصر.
ومع هذا فالذي اختاره أكثر أهل العلم عشرون ركعة. قال الترمذي في (الجامع) (6): أكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة. وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي.أ.هـ.
وفي (المدونة) (7) من رواية ابن القاسم عن مالك ما يدل على أن الناس إذا جروا على كيفية من الكيفيات المروية عن السلف في التراويح فإنه لا ينبغي جبرهم على تركها إلى كيفية أخرى؛ لما يورثه ذلك من التعب والحيرة في الدين.
وأما الجماعة فلا تشترط للتراويح. إنما هي أفضل عند كثير من السلف الصالح. منهم: الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فكان يختار صلاتها مع الإمام بالمسجد على صلاتها في البيت؛ لقوة الأدلة عنده على ذلك. قال أبو داود في (مسائل أحمد) (
: سمعت أحمد قيل له: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان، أو وحده؟ قال: يصلي مع الناس. وسمعته أيضا يقول: يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته" (9).أ.هـ.
والخلاصة: أن التراويح سنة مؤكدة، وليس لها عدد ركعات معينة. والأفضل فعلها في المسجد مع الإمام. وأما مقدار ما يقرأ فيها من القرآن، فالمنصوص لدى فقهائنا رحمهم الله أنه لا ينقص عن ختمة؛ ليسمع الناس جميع القرآن، ولا يزيد عليها؛ كراهية المشقة على من خلفه، نقله في (الشرح الكبير) (10) عن القاضي أبي يعلى. وقال الإمام أحمد: يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف عليهم ولا يشق، لاسيما في الليالي القصار؛ إلا أن يؤثروا الزيادة على ذلك، والله أعلم.
اسال الله ان يتقبل هذا العمل ويجعله فى ميزان حسناتى ..... اللهم امين